recent
أخبار ساخنة

من هم الأكراد .. تسميتهم؟

الصفحة الرئيسية

من هم الكرد.

يعتبر البحث عن أصل شعب ما كالشعب الكردي مشكلة مستعصية. بسبب النقص في ديمومة الشواهد وصحة بعض الوثائق التاريخية. وبالتالي لإثبات هوية شعب ما. يجب اللجوء لمقاييس معينة كالاسم واللغة والهوية أو العرق. علماً أن الاسم وحده لايكفي للتعريف بالشعب المسمى به. وكذلك بالنسبة للعرق أو اللغة.


من هم الأكراد
من هم الأكراد

إن لفظ الكرد أو الأكراد أصله كَرَدَ. أو كِرْد. ولفظ كِرْد يعني الجمْعُ ومصدرها في الفارسية كَرديدن وتعني الخلط والمزج. وقد أطلق عليهم هذه التسمية من مفردات ولغات جيرانهم ليشكلوا لغتهم الكردية(1) . بسبب قرب أولئك العرب والخرسانيين والفرس. 

وكَرَدَ بالفتح تعني في العربية طارد أو دافع. ومثال كرد الدابة يعني ساقها(2) . وبمرور الزمن تفرقوا لطوائف وقبائل عديدة فتركوا لغتهم المحكية. وبالتالي اللغة التي أخذوها وجمعوها من جيرانهم وخلطوها مع العديد من اللغات كلغات بلاد فارس وإيران. بسبب التصاق اسم الكرد بهم. فأصبحوا قوم معروف له تسمية.

وكلمة كرد هي لفظ ذو دلالات متنوعة تبعاً للغات المجاورة للأكراد ولغتهم نفسها. حيث تشير للشجاع الغيور الجسور بحسب ما جاء في قاموس الهدية الحميدية. وهو قاموس كردي –عربي. 

أما في بدائع اللغة فلفظ كرد يعني سكان البراري. والقوي الشجاع في اللغة الفارسية. بينما تعني اللص والحرامي في اللغة الجورجية. وجاء في قاموس بدائع اللغة " أن الكرد من ولد كُرْد بن عمرو بن عامر الملقب بمزيقياء. وأنهم وقعوا إلى أرض العجم فتناسلوا بها وكثُر ولدُهم فسموا الكردَ " (3).

وفي مذكرته حول الأكراد بعنوان (مذكرة حول الموقف الكردي) الصادرة بتاريخ 19 يوليو/تموز 1919. عن دائرة المندوب السياسي البريطاني في بغداد. يروي الرائد البريطاني " A.W.Nuail". أن كلمة كرد أطقت قديماً من قبل اليونانيين. ووصف " هيرودتيس " الكرد بأنهم شعوب شجاعة محبة للقتال. وتنحدر من سلالة (كورديوني). الذي أوقف زحف جيش زينوفون سنة (401-400ق.م) والمقدر عدده حينئذ بعشرة آلاف مقاتل بالإضافة إلى ان الأكراد أطلقوا اسم "كوثوز" على أنفسهم. وتعني المحارب(4).

كانت كلمة " كردي " في زمن الفتوحات الإسلامية تعني البدوي. وفي أواسط القرن التاسع عشر ربط الرحالة الأوروبيون كلمة "كردي" كمرادف لقاطع طريق. مع الخطأ في هذا التعميم فقد كان العرب والأتراك والكرد يزاولون قطع طرق بعض القوافل التجارية. 

ولكن هذا لا يعني التعميم فليس كل الكرد قطاع طرق. وقد استعملت كلمة " كردي " في أواسط ذلك القرن بمعنى الشعب القبلي والذي يتكلم باللغة الكردية. بالرغم من أن بعضهم كانوا فلاحين أو سكان قرى وبلدات ومدن ولم يكن لهم انتماء قبلي ولكنهم يشكلون نسبة قليلة وحالات استثنائية لصورة الأكراد (5).

إن جميع التسميات التي سمي فيها من استوطن في المناطق الكردية من كرد أو غيرهم لا تتطابق مع اسمهم الأصلي. حيث جاء لفظ كرد بعدة صيغ. فقد صدرت عن أقوام أخرى كانت تختلط مع شعوب المناطق الكردية كالآراميين والأكاديين والسومريين. والآشوريين. والرومان. واليونانيين. والأرمن. والسريان. والفرس وغيرهم. ومعظم المصادر تسند موضوع التسمية القومية " كرد " ومشتقاتها بأسماء مقاطعات ومناطق جغرافية في كردستان (6) .

أما "الأكاديون" الذين يتكلمون السامية وحكموا بلاد سومر تقريباً في سنة (2371 ق.م (7). فقد أطلقوا على الشعوب التي تقطن الجبال الكردية ب " كوتو ". بينما سميت البلاد بلفظ " كوتيوم" (8).

التي لها علاقة وارتباط بين لفظي ( كوتي. كوتى) و ( كورتي). وهذه الكلمة الأخيرة أقرب إلى لفظ كُردي. لأن حرفي الدال والتاء قد يأخذ احدهما مكان الآخر. وحتى الوقت الحالي كثيراً ما يلفظ (الكُرد) ب (كورت) (9) . ويروي محمد أمين زكي في هذا المجال أن اللوحتين الأثريتين المكتشفتين في العقود الأولى من القرن العشرين. 

وتعودان للمدة الزمنية (1244 – 1208 م) تشيران إلى حدث مكتوب على إحداها ( كوتى- جوتي). بينما على الثانية مكتوب (كوردتي). وهذا يدل على أن هذين اللفظين ( كوتى- جوتي). كانا يطلقان على شعب واحد(10) . وكلمة (كوردتي) لفظها الآشوريون في سنة (1500 ق.م). وكان يقصد بها المناطق الجبلية التي تحد بلادهم من الشرق والشمال(11).



يمكن الحصول على رسالة ماجستير عن الأكراد تواصل معنا

يذكر من خلال " الرقم الطينية" التي اكتشفت في منطقة الموصل. أن معظم الملوك الآشوريين كانوا يعتمدون في حماية أنفسهم خلال حملاتهم الحربية على حراس أقوياء شجعان. يجلبونهم من منطقة (بوتان) الواقعة بالقرب من الجودي. والذي اشتهر تاريخياً برسو سفينة نوح (عليه السلام) بعد الطوفان على قمته. وكان يطلق على هؤلاء المقاتلين اسم (كوردو) ويعتبرونهم من أفراد حاشيتهم(12).

وروي في كتاب الأجناس ل " ھ . فلورانس": "....... ومن الصعب الرجوع إلى قبائل الكرد. ولكن تذكر المخطوطات القديمة أنه كان هناك شعب يدعى كوتو أو كوتى. وأصبح بعد ذلك (كورتى) وذلك قبل ألفي سنة من الميلاد ...." (13).

ويذكر الدكتور "سامي سعيد الأحمد" عند تحليل نصوص من كتاب (زينوفون). عند وصف عرقلة مسير الجنود اليونانيين في طريق عودتهم في جبال الكُردوكي. إن الكُردوكي هم (الكُرد) في وقتنا الحالي. ثم يتبع كلامه قائلاً: " وهذه اول مرة على معرفتنا الحالية يرد فيها ذكر الكُرد كقوم شمال العراق " (14).

يذكر " نولدكه " أن المنطقة التي استقر فيها الكاردو هي عبارة عن أرض محدودة. بينما أراضي كردستان كانت ذات مساحة شاسعة. ومن هنا اعتبر " نولدكه " كلمة كُرد عبارة عن لفظ مشتق من كلمة كيرتي. والتي يذكر أنها تمتد لتشمل معظم أراضي الموطن الكُردي في يومنا هذا ومنها فارس وميديا. 

بالرغم من عدم وجود حقائق ودلالات تثبت اتساع مجالات استعمال كلمة كيرتي(15) . ويقول " نولدكه " في موضع آخر أن لفظ (كارتيواي) ولفظ (كارثاوية) باللغة الآرامية والعربية على التتالي. هما لفظان يشيران إلى الشعب الكُردي(16).


وفي اللغة العبرية تستخدم أشكال وصور مختلفة لكلمة (كُرد) قريبة من اللغات السريانية والعربية والآرامية. حيث أطلق " أونكليوس " على جبال آرارات حيث رست سفينة نوح (عليه السلام) اسم (كاردو). ووردت في الترجمة العربية بلفظ (قاردو). و(قاردون) في الترجمة العبرية(17).

ونجد في الكتب الإسلامية ما ورد من عبد الله بن عمر بن الخطاب في حديثه عن قيام نمرود وجماعاته بقتل إبراهيم الخليل (عليه السلام) بقوله: " أشار بتحريقه رجل من الأكراد كان اسمه هيزن...". وقد كان عصر إبراهيم الخليل (عليه السلام) في القرن التاسع عشر قبل الميلاد. هنا تدل أقوال ابن الأثير على اعتباره الكرد جماعات وقبائل رحل في ذلك الوقت. وهكذا فإن لفظ الكُرد بالإضافة لكونه يدل على مسمى قومي لشعب محدد. فكان يأخذ معنى آخر يشمل جماعات رحل من شعوب أخرى(18) . 

ويذكر ابن الأثير بهذا الصدد فحوى الرسالة التي تلقاها أردشير بابكان من أرتبان والذي يعد آخر ملوك الفرس الأشكانيين. والذي يشير له ب( الكردي) دلالة على البدوي. فيقول: "فبينما هو كذلك . إذ ورد عليه رسول الأردوان ( الأرتبان) بكتاب منه فجمع أردشير الناس وقرأ الكتاب بحضرتهم فإذا فيه : إنك عدوت طورك واجتلبت حتفك أيها الكردي المربي في خيام الأكراد. من أذن لك في التاج الذي لبسته والبلاد التي احتويت عليها وغلبت ملوكها.... الخ"(19) . ولم يقصد هنا أردوان التسمية قوماً بمفهومنا الحديث بل يشير للقبائل الإيرانية الرحالة(20).

كما أن التسمية الحالية للكرد تعود لفترة حكم الساسانيين(226-636م). والذي أنهى حكمهم المسلمون في فترة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (16-23ھ) (21) . وفي هذا الموضوع يذكر محمود الدرة: كلمة كُرد ظهرت بشكلها الحالي أول مرة في الكتابات الفارسية أثناء تأسيس الدولة الساسانية. ومن ثم نقلت للعربية من قبل المؤرخين والباحثين العرب. ومنها للغات الأوروبية(22).

نستنتج مما سبق أن التسمية الحالية للأكراد قد تطورت عبر الأحقاب الزمنية القديمة. واختلفت تبعاً للشعوب والأمم التي تلفظت بها. أو ذكرته في كتاباتها وتاريخها وآثارها. ولكن كلمة "كرد" هي بلا شك مشتقة من أصل مشترك. رغم وجود الاختلافات البسيطة في أشكال وصور لفظها. فالآشوريون في وقتنا الحالي يلفظونها "قورذايه" أي "الكرد". وعند العرب تجمع ب "الأكراد". بينما تجمع عند الفرس "كوردها". وعند الأتراك "كيورتلر"(23).

وبالنهاية يمكن التوصل للخلاصة أن الشعب الكُردي كان يسكن في كُردستان من الأزل وحتى الآن. ونتيجة ارهاصات ووقائع التاريخ. اختلط وامتزج به أقوام وجماعات وعناصر أخرى كالآريين. حيث اندمجوا واختلطوا في بوتقتهم. مما سبب الاختلاف الواضح في لهجات اللغة الكُردية(24).

المراجع.

  • (1) محمود بايزيدي. رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم. ترجمها ووضع هوامشها جام دوست. راجعها كاميران حوج. هيئة أبو ظبي للثقافة والترات. ط1. كلمة. أبو ظبي.2010. ص 39.
  • (2) لسان العرب. ابن منظور. مادة كَرَدَ.
  • (3) علي أكبر كردستاني. فرهنگ بدائع اللغة كردي فارسي. طهران. 1990. ص 110
  • (4) وليد حمدي. الكرد وكردستان في الوثائق البريطانية. دراسة تاريخية وثائقية. لندن. كتب مكتبة الإسكندرية. مصر.1991.ص 15.
  • (5) ديڤيد مكدول. تاريخ الأكراد الحديث. ترجمة راج آل محمد. دار الفارابي. بيروت. لبنان. 1996. ص49.
  • )6) جمال رشيد احمد وفوزي رشيد. تاريخ الكرد القديم. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية. جامعة صلاح الدين. دار الحكمة للطباعة والنشر في أربيل. 1990. ص10.
  • (7) تم الاعتماد في تثبيت التواريخ على هاري ساكر. عظمة بابل.1979. فضلاً عن طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. مطبعة الحوادث. بغداد. 1973.
  • (8) جمال رشيد احمد وفوزي رشيد. المرجع نفسه. ص55.
  • (9) حازم هاجاني. صفحات من تأريخ الكرد وكردستان. الجذور التاريخية-الجغرافية – الآثار-اللغة – المعتقدات. مؤسسة موكرياني للطباعة والنشر. الطبعة الأولى. كوردستان – أربيل. 2002. ص60.
  • (10) محمد أمين زكي. خلاصة تاريخ الكرد وكردستان. ترجمة محمد علي عوني. مطبعة صلاح الدين. ج1. ط2. بغداد. 1961. ص63.
  • (11) محمد عبد الله عمر. الكرد و الكرمانج. مجلة القافلة. العدد 2. وزارة الثقافة لإقليم كردستان العراق. أربيل. 1993. ص12-13.
  • (12) حازم هاجاني. مرجع سابق. ص61.
  • (13) كاظم حيدر. الأكراد من هم وإلى أين؟. منشورات الفكر الحر. طبعة أولى. بيروت. 1959. ص11
  • (14) سامي سعيد الأحمد. العراق في كتابات اليونان والرومان. مجلة الاستشراق. العدد 5. بغداد. 1991. ص 119-143.
  • (15) ج.آر. درايفر. الكرد في المصادر القديمة. ترجمة فؤاد حمه خورشيد. مطبعة الديواني. بغداد. 1968. ص66.
  • (16) محمد أمين زكي. مرجع سابق. ص45.
  • (17) حازم هاجاني. المرجع نفسه. ص65.
  • (18) جمال رشيد أحمد. دراسات كوردية في بلاد سوبارتو. الأمانة العامة للثقافة والشباب لمنطقة كردستان. دار آفاق عربية للصحافة والنشر. بغداد. 1984. ص84.
  • (19) عز الدين علي بن أبي الكرم ابن الأثير. الكامل في التاريخ. الجزء الأول. دار صادر بيروت. لبنان.1979. ص222.
  • (20) جمال رشيد أحمد. المرجع نفسه. ص134.
  • (21) حازم هاجاني. مرجع سابق. ص67.
  • (22) محمود الدرة. القضية الكردية. منشورات دار الطليعة. ط2. بيروت. 1966. ص20.
  • (23) حازم هاجاني. المرجع نفسه. ص68.
  • (24) أنور المائي. الأكراد في بهيدان. مطبعة الحصان. الموصل. 1960. ص 45.
google-playkhamsatmostaqltradent