أنماط التعلم - ما هي أنماط التعلم لدى المتعلمين

 تحليل الفن الإغريقي والروماني

يمثل الفن الإغريقي والروماني دعامتين أساسيتين أرستا قواعد الحضارة الغربية، حيث تجسدان رؤيتين متكاملتين مختلفتين للعالم. لم يكن الفن لدى هاتين الحضارتين مجرد زينة أو ترف، بل كان مرآة عكست بعمق القيم الثقافية والدينية والسياسية السائدة في كل عصر.

انطلق الإغريق (اليونانيون) من إيمان راسخ بالمثالية والجمال المطلق والنسب الهندسية المتناغمة، مجسدين ذلك في آلهتهم وأبطالهم الذين تمتعوا بكمال جسدي وروحي، مما يعكس ثقافة مركزها الإنسان ("الإنسان مقياس كل شيء") واهتمامًا بالغًا بالفلسبفة والمنطق.

بالمقابل، لم يبن الرومان على هذا الإرث الثري بتقليد أعمى، بل أعادوا صياغته ليتناسب مع طابعهم العملي وروحهم التنظيمية وطموحهم الإمبراطوري الشاسع. فتحول الجمال المثالي الإغريقي إلى فن واقعي يعبر عن الفردية والقوة والسلطة، حيث خدم الفن أغراضًا سياسية وتوثيقية لتخليد انتصارات الأباطرة وعظمة الدولة. 

وهكذا، تقدم لنا دراسة هذين الفنين ليس فقط تطورًا تقنيًا وأسلوبيًا، بل رحلة فكرية ثقافية مثيرة، تروي قصة انتقال المشعل من ثقافة مجدت "المثل العليا" إلى أخرى أتقنت فن "بناء الإمبراطوريات" وترسيخ إرثها الخالد في سجلات التاريخ.

بعد "قراءة" حول الفن الاغريقي والروماني، فإن المعلومات الأولية التي قد تكون بارزة هي:

ما هي خصائص الفن الأغريقي؟

��️ جوهر الفن الإغريقي: السعي نحو المثالية والتطور

الفن الإغريقي كان يركز بشكل كبير على الكمال المثالي والجمال الهادئ (Idealism)، حيث ساد السعي نحو الأجساد المتناسقة والوجوه الهادئة التي تجسد واقعية محسّنة خالية من العيوب. ارتبط هذا الفن في الذهن بصورة البياض والنقاء. على الرغم من اكتشاف لاحق بأن هذا التصور ناتج عن فقدان الألوان الأصلية للتماثيل عبر الزمن (Polychromy).

كانت المواضيع الرئيسية تدور حول الآلهة، الأبطال، والأحداث الأسطورية. وقد شهد النحت الإغريقي تطورات واضحة وديناميكية عبر المراحل التالية:

• الفترة القديمة (Archaic): اتسمت بالجمود والصرامة.
• الفترة الكلاسيكية (Classical): اتسمت بالتوازن والواقعية المثالية.
• الفترة الهلنستية (Hellenistic): اتسمت بالانتقال إلى الحركة، الدراما، والعواطف القوية. حيث يشير المصطلح الهلنستي إلى النفوذ اليوناني وانتشار اللغة الثقافية اليونانية بعد وفاة الاسكندر المقدوني (حليم، د- ت، ص1).

ما هي خصائص الفن الروماني؟

��️ جوهر الفن الروماني: الواقعية والمنفعة

ركّز الفن الروماني بشكل أساسي على الواقعية والمنفعة (Realism and Utility)، حيث كان الرومان يتمتعون بطابع عملي (براغماتي) انعكس بوضوح على إبداعاتهم.

يمكن وصف الفن الروماني بأنه مقلد ومبتكر في آن واحد:

1. الاقتباس والابتكار: اقتبس الرومان من الفن الإغريقي بشكل واسع، لكنهم تميزوا بواقعية أكبر وطابع عملي وظيفي.
2. الواقعية والتكريم: برز هذا الطابع في البورتريهات الواقعية التي لم تتردد في إظهار سمات الأفراد وعيوبهم لتمجيدهم كقادة ذوي حكمة وخبرة (بدلاً من المثالية الإغريقية).
3. احتفال بالإنجاز المدني والعسكري: احتفل فنهم بشكل خاص بالإنجازات العسكرية والمدنية، وهو ما يتضح في العمارة العملية والضخمة (مثل الأقواس، الأعمدة التذكارية، الجسور، والمدرجات)، مما يؤكد أهمية المنفعة في رؤيتهم الجمالية.

باختصار، كنت أرى الإغريق كمثاليين وفلسفيين في فنهم، بينما كنت أرى الرومان كواقعيين وعمليين ومهندسين عظماء.

✍️ مواضيع قد تكون شدت الانتباه في القراءة وصححت الانطباعات

المواضيع التي شدت انتباهي كانت تلك التي عمقت أو صححت الانطباعات الأولية حول الفن الإغريقي والروماني، وكشفت عن تعقيد أكبر في أهدافه وتطوره:

1. الكشف عن الحقيقة البصرية (Polychromy)

صدمة تلوين التماثيل: كان الاكتشاف الأكثر إثارة للدهشة هو أن التماثيل الإغريقية لم تكن بيضاء رخامية كما نتصور، بل كانت ملوَّنة بألوان زاهية (Polychromy). هذا التصحيح كشف أن "الكمال الأبيض" الذي نربطه بالجمال الكلاسيكي كان وهمًا ناتجًا عن زوال الألوان بمرور الزمن.

2. ديناميكية التطور الفني والتباين في الأسلوب

• التطور الداخلي للفن الإغريقي: اتضح أن الفن الإغريقي يمتلك ديناميكية هائلة، متطورًا من المرحلة الأرخائية (الجمود) إلى الكلاسيكية (التوازن والمثالية الجسدية)، ثم إلى الهلنستية (الحركة والدراما والعاطفة).
• الفرق بين المثالية والواقعية: برز تباين واضح في الأهداف؛ حيث جسّد النحت الإغريقي الكلاسيكي الكمال المثالي والشباب الأبدي، بينما ركزت البورتريهات الرومانية على الواقعية الصارمة، مُظهرة التجاعيد كدليل على الحكمة والخبرة.

3. العلاقة المعقدة بين الإغريق والرومان

• النسخ وإعادة التفسير: لم تكن العلاقة بين الفن الرومانى والإغريقي مجرد تقليد أعمى. فعلى الرغم من أن الفن الروماني نسخ الكثير من الأعمال الإغريقية (مما ساعد في حفظها)، فقد قاموا بإعادة تفسيرها لتخدم أغراضهم الخاصة، مثل التمجيد الشخصي، مع تقديم إسهاماتهم الأصيلة في العمارة والبورتريه.
• العظمة المعمارية المتباينة: ظهر التباين في الأهداف المعمارية؛ فمقابل البناء المتقن للمعابد الإغريقية مثل البارثينون (الذي يخدم المثالية الجمالية)، ظهرت الإبداعات الهندسية الرومانية مثل الكولوسيوم والبانثيون (التي تخدم المنفعة العامة والتنظيم).

4. الغرض الوظيفي والاجتماعي

تعددية الأغراض: أدركت أن الفن لم يكن جماليًا صرفًا، بل كان يلبي أغراضًا متعددة وحيوية: كان دينيًا (تماثيل المعابد)، وسياسيًا (نصب دعائية)، واجتماعيًا (زخرفة المنازل والأواني). وبالتالي من الممكن حماية تاريخ العصور القديمة من خلال إظهارها في الأعمال الفنية لأعمال التصوير الجداري للمعابد التي تساعد على فهم الثقافات المختلفة في المكان الواحد (أندراوس، 2023، ص185).

كيف تطور الفن على مر العصور؟

�� نظرة على الفن بعد التعرض لأربع حضارات قديمة مختلفة

عند دمج المعرفة حول أربع حضارات عريقة—هي مصر القديمة، بلاد ما بين النهرين، الإغريق، والرومان—تتضح أهمية الفن كـ مرآة ثقافية وتاريخية تفوق كونه مجرد "جمال" أو "زخرفة".

إن التعمق في فنون هذه الحضارات شكّل نظرة أكثر ثراءً وتعقيدًا للفن القديم. لم يعد العمل الفني مجرد ترف أو زينة، بل تحوّل إلى بمثابة نافذة كونية تُطل على عقلية وروح تلك الحضارات، حيث يعكس معتقداتها، أنظمتها السياسية، وقيمها الإنسانية بشكل مباشر.

أرى الفن اليوم كظاهرة شاملة ذات ثلاث دلالات رئيسية:

• حلقة وصل كونية تربط الإنسان بالآلهة، وبالطبيعة، وبعلاقته مع السلطة من خلال المعابد، النقوش، والرموز.
• لغة عالمية لكل حضارة قواعدها البصرية الخاصة للتعبير عن الخلود، القوة، والجمال المثالي.
•  وثيقة تاريخية تكشف عن السياسة، المعتقدات، البنية الاجتماعية، والتقنيات المتاحة في زمنها.

ما السمات المتشابهة في فنون تلك الحضارات وعلاقة الفن بحياة الإنسان وتاريخه؟

�� السمات المتشابهة في فنون تلك الحضارات:

على الرغم من الاختلافات الجوهرية بين الحضارات الأربع (مصر، ما بين النهرين، الإغريق، الرومان)، برزت بين فنونها قواسم مشتركة رئيسية أكدت على دور الفن كأداة ثقافية واجتماعية:

1. العلاقة الوثيقة بالدين والسلطة (Theocratic/Political Link)

• الهدف التمجيدي: كان الفن في جوهره مكرسًا لتمجيد الآلهة والحكام (الفراعنة، الملوك، الأباطرة). ففي مصر وبلاد ما بين النهرين، خدمت الأحجام والتقنيات الغرض الديني والجنائزي (مثل الأهرامات والزقورات).
• تمجيد الدولة: حتى مع تطور الفن العلماني لدى الإغريق والرومان، بقي الفن أداة لتمجيد الآلهة (المعابد الإغريقية) أو الإنجازات العسكرية والمدنية (الأعمدة والأقواس الرومانية).

2. التعبير عن النظام الاجتماعي (Social Order Expression)

• الرمزية والتقليدية: غلب على الفن طابع الرمزية والتقليدية أكثر من الواقعية المطلقة، مع الميل إلى تضخيم الأحجام أو المثالية الجسدية للتعبير عن المعاني المتعالية.
• منظور التراتب الهرمي: تم التأكيد على النظام الاجتماعي الصارم من خلال الفن. ففي مصر وما بين النهرين، كان حجم الشخصية في العمل الفني يتناسب مع مكانتها الاجتماعية (Hierarchical Scale).
• الفن بتكليف: كان الفن غالبًا بتكليف رسمي (Patronage) من النخبة الحاكمة أو الدينية، مما يعني أنه لم يكن وليد رغبة فنان فردي، بل أداة للدولة.

3. العمارة كرمز للخلود والسرد البصري

• الخلود والقوة (Architecture as Immortality): مثلت العمارة ذروة الإبداع الفني في جميع الحضارات. بُنيت الهياكل الضخمة والدائمة (الأهرامات، الزقورات، المعابد، المدرجات) لتصمد أمام الزمن، حيث جسّدت الأعمدة والأقواس العظمة والقوة والرهبة كشاهد على قوة الحضارة.
• السرد البصري: كان السرد القصصي حاضرًا بقوة، حيث استخدمت النقوش والجداريات والتماثيل لنقل الأساطير، البطولات، والانتصارات للأجيال المتعاقبة.

 ما هي علاقة الفن بحياة الإنسان وتاريخه؟

يُعَد الفن في الحضارات القديمة سجلاً تاريخيًا وبصمة ثقافية لا غنى عنها، حيث يتجاوز دوره مجرد الجمال ليكون وثيقة حية لتاريخ البشرية. حيث ارتبط الفن المصري القديم المتمثل بالأعمال النحتية والنقوشات، ارتباطاً وثيقاً بالهندسة المعمارية ولم يعد أي نوع من أنواع الفنون فناً منفصلاً (أندراوس، 2023، ص185).

يمكن إيجاز علاقة الفن بحياة الإنسان وتاريخه في المحاور التالية:

1. التوثيق التاريخي والقيمي

• سجل الحياة اليومية والأحداث: الفن يروي قصصًا لا تسجلها النصوص، موثقًا مشاهد الصيد، الحروب، طقوس الدفن، والمواسم الزراعية، كما يتضح في نقوش مصر وبلاد ما بين النهرين.
• مرآة للقيم والمعتقدات: يعكس الفن أعمق قناعات الحضارة؛ فالفن الإغريقي يعبر عن قيمة الإنسانية والمنطق، والفن الروماني عن قيمة القوة المدنية والتنظيم. في المقابل، تُركز فنون مصر وبلاد ما بين النهرين على قوة الماورائيات والارتباط الوثيق بالحياة الآخرة.
• توثيق شخصيات القادة: تمثل البورتريهات الرومانية مثالاً بارزًا على توثيق شخصيات القادة لتخليدهم.

2. وسيلة للسلطة والسيطرة العقائدية

• أداة للسلطة والدعاية: استغل الحكام الفن كأداة دعائية وسياسية فعَّالة، حيث عمل على نشر صورهم، تخليد انتصاراتهم، وتأكيد شرعية حكمهم عبر ربطهم بالآلهة، مما عزز الهيبة وأرسى أسس السيطرة.
• تقنية للبقاء الروحي: لم يكن الفن ترفيهًا، بل كان وسيلة حيوية لضمان استمرار النظام الكوني وكسب رضا الآلهة. إنه تقنية لضمان الخصوبة والنصر والحياة بعد الموت (البقاء العقائدي).

3. الأداة التعليمية والحوار الثقافي

• نقل المعرفة (التربوية): عمل الفن، خاصة النقوش والنصب التذكارية، بمثابة وسيلة لنقل المعلومات الدينية والتاريخية إلى جمهور واسع كان معظمه أميًا.
• حوار عبر التاريخ: يكشف الفن عن تاريخ طويل من التبادل الثقافي والتأثير المتبادل بين الحضارات، كما يتضح في تأثر الإغريق بفن مصر والشرق، واقتباس الرومان الواسع من الفن الإغريقي.

خلاصة القول: الفن في هذه الحضارات ليس مجرد ترفيه، بل هو جزء أساسي من هيكل الدولة والدين، يعمل كأداة للتواصل، التمجيد، والحفظ الأيديولوجي والتاريخي، مما يجعل دراسته ضرورية لفهم تطور الفكر البشري.

في الختام النظرة الآن أصبحت أكثر تواضعًا وإعجابًا. الفن القديم لم يكن "بدائيًا" أو "ساذجًا". كان نظامًا معقدًا ومتعمدًا من التعبير البصري، كان الوسيلة الأكثر تطورًا لدى تلك الحضارات للتعبير عن أعمق أسئلة الوجود: من أين أتينا؟ لماذا نحن هنا؟ وما الذي ينتظرنا بعد الموت؟ إنه مرآة humanity (الإنسانية) جمعاء في رحلتها الأولى للتعبير عن نفسها.

المراجع.

1. أندراوس، فيبي سعيد فهمي. (2023). ارتباط الفنون بالثقافات المتعددة ودورها في بناء المجتمع. العدد15. المجلد 3. مجلة التراث والتصميم.
2. حليم، أسماء سمير. (د - ت). تاريخ الفن الإغريقي. كلية الفنون الجميلة. قسم التشكيلي. جامعة البصرة.