recent
أخبار ساخنة

الفيلسوف هانز مورغنثاو - كيف قدم أفكاره الفلسفية الواقعية في عصره (أمريكا زمن الخمسينيات)



إن العديد من الأمريكيين ارتبطوا خلال تصورهم للعلاقات الدولية قد ارتبطوا بمنظور واقعي، ومن أبرز الشخصيات في هذا المجال كان المؤرخ الدبلوماسي إدوارد هاليت كار، والجغرافي نيكولاس سبيكمان، والمنظر السياسي هانز مورجنثاو. 



الفيلسوف هانز مورغنثاو


بالإضافة لبعض الأوروبيين الذين أسهموا بشكل ذاخر في الفكر الواقعي، ومهما يكن من أمر إلا أن هانز مورجنثاو يُنظر إليه على أنه مؤسس النظرية الواقعية الكلاسيكية، فضلاً عن أنه مُرسي دعامتيها التحليليتين الأساسيتين وهما القوة والمصلحة القومية، فقد كان مورجانثاو هو الرمز البارز خلال القرن العشرين، حيث كان المحلل السياسي الأمريكي (وهبان،2016، ص12-14).

لذلك سنسلط الضوء على الأفكار الفلسفية الواقعية للفيلسوف "هانز مورجنثاو".

سيرته الذاتية للفيلسوف " هانز مورجنثاو ".


ولد هانز يواخيم مورغنثاو (Hans Morgenthau) السياسي الكبير في 7 شباط عام 1904م، في مدينة كوبرغ الألمانية، لعائلة ألمانية يهودية، وقد عانت عائلته ظروف العيش القاهرة جرّاء ما عاشته من سياسة التمييز العنصري السائدة في ألمانيا ذلك الوقت، وبعد سفره قاسى ألم الفراق والابتعاد عن الأهل، فضلاً عن سوء ظروفه المادية. (دحام، 2022)

التحق هانز في عام 1923م بجامعة فرانكفورت، وانتقل فيما بعد إلى جامعة ميونخ، كان اهتماماته الفكرية في بادئ الأمر تتجه إلى الأدب والفلسفة، إلا أنه درس القانون والسياسة الدولية.

ثم أكمل دراساته العليا في جنيف في معهد الدراسات الدولية، إلى أن ذاع سيطه في كونه عالماً ومؤرخاً في مجال السياسة الدولية، حيث عُدّ هانز علماً من أعلام الاتجاه الواقعي، حيث بلور نظريته الكاملة في كتابه الشهير" السياسة بين الأمم" وفيه أبرز مفهوم الأساس للسياسة الدولية (مقلد، 1978، ص24).

بعد عمل طويل في الولايات المتحدة، حصل هانز يواخيم مورغنثاو على الجنسية الأمريكية في عام 1943م، عمل مستشاراً لوزارة الدفاع والخارجية الأمريكية خلال فترة الأربعينيات والستينيات من القرن العشرين، إلى جانب عمله كأستاذ في الكثير من الجامعات الأمريكية. (دحام، 2022)

الثقافة السائدة في عصره التي عاش فيها.

إن أولى المدارس الفكرية التي غذت عقول القادة وصناع القرار في الولايات المتحدة الامريكية هي المدرسة الواقعية والتي أطلقت النظرية الواقعية، وكان الاتجاه الفلسفي التجديدي هو أول من استخدم النظرية الواقعية، والدعائم التحليلية للمدرسة الواقعية هما فكرة المصلحة وفكرة القوة الذين يعتبران الخطوط العريضة للمدرسة الواقعية (العقابي، 2010، ص16).

انطلقت النظرية الواقعية من الولايات المتحدة الامريكية كرؤية جديدة، ويعتبر الاتجاه الواقعي من أهم المدارس التي اعتمدت على القوة ودورها في العلاقات الدولية، وتعتبر الواقعية في السياسية الدولية كرد فعل على تيار المثالية الذي انهارت آماله بظهور نظريات مناقضة بدأت تؤسس للمذهب الواقعي (الجاسور، 2011، ص680).

يأتي على رأس الاتجاه الواقعي الأمريكي عالم العلاقات الدولية الأشهر "هانز يواخيم مورغنثاو" وهو مؤسس النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، مؤكداً على فكرة القوة في العلاقات الدولية (الهرمزي، 2012، ص 158).

يمثل هانز يواخيم مورغنثاو أشد الداعين إلى مفهوم الواقعية والذي ينظر إلى العلاقات الدولية على أنها علاقات قوة، وتعني حل المنازعات الدولية بكل الطرق والوسائل التي تساهم في تحقيق أهداف الدول، دون الأخذ بالاعتبار للأخلاق ولمبادئ القانون الدولي العام.

كما ينتقد هانز الوسائل القانونية في حل مشاكل السياسة الدولية، ويدعو للتخلي عن القانون الدولي، مع التأكيد على استخدام القوة الملازمة للبشر فهي القانون الذي يحكم العلاقات الدولية. (مورجانثو، 1972، ص4-24-29).

اقرأ أيضاً  الميتافيزيقيا والفيلسوف الأمريكي الصربي "تشارلز سيميك".

اقرأ أيضاً فلاسفة الغرب - ماذا تعرف عن الفيلسوف فولتير؟ .

اقرأ أيضاً الفيلسوف ميكافيللي - كيف قدم  أفكاره الفلسفية في عصره (ايطاليا في العصور الوسطى).

اقرأ أيضاً التوجه الجنسي ومرحلة البلوغ والعلاقة بينهما- قراءة تحليلية وفقاً لنظريات العواطف .

أسباب اختيارنا لهذا الفيلسوف.

تم اختيار هذا الفيلسوف لتقديم الورقة البحثية هذه لأنني عاصرت هيمنة القوة التي يدعو إليها هانز من خلال ما عانته الدول العربية من سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، وفرض سلطة القوة لتحقيق أهدافها دون مراعاة لمبادئ القانون الدولي.


شرح وجهة نظر الفيلسوف الذي تم اختياره، والتي انعكست وصاغ منها نظريته الواقعية، مع الأمثلة.

إن وجهة نظر "مورجانثو" والتي صاغ منها نظريته الواقعية حول مفهوم القوة في السياسة الدولية تظهر تصوراً محدداً لصراعات القوة المتعددة في المجتمع الدولي، من أجل تحقيق الأهداف التالية: (الهرمزي، 2012، ص 158)

سياسات الحفاظ على الوضع القائم.

يهدف هذا النوع من السياسات الخارجية حسب نظرية "مورجانثو " للبقاء على التوزيع القائم للقوة في أوقات معينة، أي عندما تظهر توزيعات حديثة لعلاقات القوة كانتصار طرف، وهزيمة آخر. ولعل أقرب تطبيق لهذه السياسة في النسق الدولي هو مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي بدأت بتفكك الاتحاد السوفيتي والذي يمثل (المنظومة الاشتراكية الشرقية) عام 1991 وبزوغ نمط القطب الواحد المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية قائدة وتمثل (المنظومة الرأسمالية الغربية).

وأصبحت الولايات المتحدة تتربع قمة الهرم الدولي بسبب ما تملكه من مقومات مثلث القوة – العسكرية، الاقتصادية، التكنولوجية، ومع اجتماع أقطاب هذا المثلث يتشكل لدينا القوة السياسية والتي تعد أبرز مخرجات القوة المؤثرة في الوحدات الدولية.

سياسات التوسع الاستعماري.

إن تحليل "هانز مورجانثو " لسياسات التوسع الاستعماري هو نتيجة لثلاثة عوامل وهي الحرب المنتصرة، الحرب الخاسرة، ضعف إمكانات القوة، سنتطرق لواحدة من تلك العوامل وهي:

الحرب المنتصرة: وهو توقع الانتصار في إحدى الحروب مما يؤدي لانتقال الدولة من مرحلة الإبقاء على الوضع الحالي القائم إلى التغيير في علاقات القوى لصالحها، ولعل أبرز تطبيق لهذا الهدف هو التوسع الاستعماري بالقوة العسكرية كما حصل في فيتنام لتقوم بفرض الإرادة الاميركية بشكل مباشر وغير مباشر.

وهذا يدعى بالحرب بالنيابة كأحد انماط الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي التي طغت على تلك المرحلة، من أجل تغيير ذلك النمط في علاقات القوة لصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وأفول القوى الاوربية التي كانت الفاعل الرئيس في النظام الدولي.


دعم المكانة السياسية في المجتمع الدولي.

في النظام الدولي توضح مكانة الوحدة السياسية في جسم النسق الدولي نوعاً ما سلوكها مع الوحدات الأخرى، فالنسق الدولي يتميز بالترتيب التدريجي للوحدات السياسية، ويتحدد ترتيب كل دولة في هذا النسق وفقاً لمجموعة من الدلائل والمؤشرات التي بمقتضاها تصنف الدول إلى وحدات عليا وأخرى دنيا.

وعند تصور أن هذه المؤشرات هي: الأصالة الحضارية، المستوى التعليمي، القوة العسكرية، مستوى التصنيع، مستوى دخل الفرد، فإنه من المتوقع أن تتمتع وحدة معينة بمكانة عالية وفقاً للمؤشرات المذكورة وأن تتمتع وحدة أخرى بمكانة دنيا وفقاً لتلك المؤشرات.

ولعل أقرب تطبيق لهذا المحور أن الولايات المتحدة الاميركية رغم العديد من الأزمات الاقتصادية والتدخلات المستمرة والتوسع بالقواعد الى جانب تحديات القوة الصاعدة المتمثلة بالصين واليابان الهند والاتحاد الاوربي وروسيا الاتحادية والبرازيل، فإنها ما زالت تتمتع بنفوذ ومكانة سياسية في النسق الدولي محاولة الحفاظ على الوضع الراهن عن طريق أدوات سياسات المكانة الناعمة والخشنة والذكية.


رأي شخصي حول أفكار الفيلسوف هانز.

انبثقت أفكار الفيلسوف بناءاً على ثقافته وزمنه فقد تكون مناسبة وفقاً لذلك في ذلك الوقت، إلا أن الثورة التكنولوجية أثرت على تحولات مفهوم القوة في العلاقات الدولية، وقد أحدث هذا التطور تحولاً واضحاً في مفهوم القوة.

وهذا يدفع بالمجتمع الدولي لدخول مرحلة جديدة، تلعب فيها الهجمات الإلكترونية والرقمية دوراً رئيسياً في تعظيم القوة، ومن الضروري مواجهة المخاطر المحتملة بالدفاع أو الهجوم الالكتروني.

وبالتالي يجب وضع أطر نظرية مستقبلية لمحاكاة الحروب والتوجهات الجديدة في المستقبل، لذا أرى ان أفكار الفيلسوف هانز غير مناسبة في العصر التكنولوجي الرقمي الراهن.


المراجع.

  1. الجاسور، ناظم عبد الواحد (2011). موسوعة المصطلحات السياسية والفلسفية والدولية. ط1. دار النهضة العربية. بيروت، لبنان. ص680.
  2. العقابي، علي عودة. (2010). العلاقات الدولية – دراسة تحليلية في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات. ط1. دار الرواد للطباعة والنشر. بغداد. العراق. ص16.
  3. الهرمزي، سيف نصرت توفيق. (2012). تحليل (هانز موجانثو) لمفهوم القوة وتطبيقها على وحدات النظام الدولي. المجلد1/ السنة1/ العدد1. مجلة تكريت للعلوم السياسية. ص 158.
  4. دحام، مها. (2022). هانز يواخيم مورغنثاو. موضوع. متاح على الرابط https://2u.pw/gwkpQL.
  5. مورجانثو، هانس. (1956). السياسة بين الأمم. نيويورك. ص4-24-29.
  6. مقلد، إسماعيل صبري (1978). نظريات السياسة الدولية – دراسة تحليلية مقارنة، منشورات ذات السلاسل. الكويت. ص24.
  7. وهبان، أحمد محمد. (2016). النظرية الواقعية وتحليل السياسة الدولية من مورجنثاو إلى ميرشايمر – دراسة تقويمية. المجلد 1. العدد 2. جامعة الإسكندرية. مصر: المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية.

google-playkhamsatmostaqltradent